وقد جسد شملخ الذى يسكن فى منطقة الشيخ عجلين غربى مدينة غزة ، قصة نجاح وارادة حقيقية متميزة بالعزيمة انطلقت من محو الامية وصولا للشهادة الجامعية الاولى ، فيما سيلتحق قريبا فى درجة الماجستير ، لينتقل بعلمه من دائرة الجهل والظلام ، الى دائرة العلم والنور بعد غياب طويل عنه.
فقد ترك شملخ دراسته بعد الانتهاء من الصف السادس الابتدائى عام 1990 ، للتفرغ مع اهله بالعمل فى الزراعة ، لان العلم فى ذلك الوقت لم يكن له قيمة كبيرة (حسبما قال )، فى حين يتقاضى العامل اجرة مضاعفة عن الموظفين على شهاداتهم ، وكانت الانتفاضة فى بدايتها مع اضرابات وتظاهرات ووضع اقتصادى سيئ .
ولكن كانت الصدمة الاولى لشملخ بعدما شاهد ابناء جيله وبعض اصدقائه بعد ثمانية سنوات يدرسون فى الجامعات ، فى حين لم يتقدم خطوة واحدة فى اتجاه العلم مع العمل فى الزراعة ، الا انه ما يميزه عن اقرانه انه اصبح متزوجا ولديه ابناء وبنات .
وزاد ذلك من احراجه بعد الجلوس المتكرر مع متعلمين لا يفسخ له المجال بالمداخلة نظرا لعدم حصوله على اى شهادة تدلل على اطلاعه فى الموضوع الذي يتناقشون فيه ، ومن هنا بدأت الرغبة الشديدة بالعودة للتعليم رغم فقدانه لهذا الامل ، ومن شدة حبه ورغبته لاكمال تعليمه فقد شاهد نفسه فى المنام اكثر من ثلاثون مرة يقدم امتحانات وهو فى حالة خوف .
ومما زاد من رغبته فى تحقيق حلمه ، بعدما شاهد صديق له كان يعمل فى المقاولات والبناء والطوبار ، يسأل بعد اصدقائه فى المسجد عن بعض المعلومات الجامعية ، وبدأت النار تشتعل فى قلبه محاولا الوصول الى ما وصل اليه صديقه .
والتحق شملخ للمرة الاولى فى محو الامية عام 2007 مع عدد قليل من الملتحقين فى هذا البرنامج وكان عمره انذاك 30 عاما ، وتقدم للحصول على شهادة مستوى وتعليم موازى لمدة عامين ، تعلم فيها القراءة والكتابة وباقى المواد التعليمية ، وأهلته هذه الشهادة للالتحاق مباشرة بالثانوية العامة ، بعد تحفيز مستمر من اهله وزوجته واطفاله الثلاثة ، ليحصل بذلك على اول شهادة بعد غياب عن التعليم استمر 17 عاما .
وقال شملخ لدنيا الوطن انه التحق فى الثانوية العامة بفرحة كبيرة رغم انه لم يصدق فى البداية ان شهادة التعليم الموازى ستمنحه الانطلاق نحو الحياة ، وبدأ الانتظام يوميا على مقاعد الدراسة من الساعة الثانية عشر ظهرا حتى الساعة الثانية ، وبمساعدة زوجته وابناء اخوانه المتعلمين .
وأضاف " فى عام 2010 درست الثانوية العامة ووضعت لنفسى جدول دراسى قاسى للوصول الى النجاح ، وتركت لنفسى واولادى وزياراتى ساعات قليلة تبدأ من بعد المغرب حتى ساعات الليل ، وتركزت الصعوبات فى مادة الانجليزى والرياضيات ، ووصلت الى النجاح ولكن رسبت فى مادة الانجليزى ، ورغم ذلك كانت فرحة كبرى لى بذلك ، ووزعت الحلويات ، ورسبت ايضا فى الفرصة الثانية لاعادة المادة " .
وبـدأت رحلة التحدى الحقيقى لشملخ بعد منحه اخر فرصة لاعادة المادة ، فى حال رسوبه سيضطر لتقديم كل المواد من جديد فى العام الثانى ، وبعد الصعوبات التى واجهها فى الورقة الاولى لمادة الانجليزى ، دعا ربه وصلى طول الليل ليصل للنجاح ، وقدم الورقة الثانية بقدرة عالية ، ليتم الاعلان عن نجاحه رسميا بمعدل 66 بالمئة ، ليسجد سجدتين شكر على الفور بهذه الفرحة الكبرى .
وانطلق مسرعا بعد الانتهاء من الثانوية العامة للالتحاق فى جامعة الازهر ، والتى شعر بالفخر فيها لمجرد المشى فى شارع الجامعة ، واختار تخصص معلم ثانوى تربية اسلامية ، لينفع نفسه وابنائه فى هذا التخصص فى الدنيا والاخرة ، وانهى الدراسة الجامعية فى 3 سنوات ونصف ، بالاضافة لحفظه 3 اجزاء من القرأن الكريم ، وانهى دراسته الجامعية الاولى بمعدل 75 بالمئة ، بتشجيع الكادر الاكاديمى فى الجامعة واصدقائه الطلبة ، وشعر شملخ بالفرحة الحقيقة التى لم يشعر بها طوال ايام حياته وزواجه قبل حصوله على الشهادة الجامعية .
وسأل شملخ زوجته اذا كانت هناك فروق قبل تعلمه وبعد الانتهاء من التعليم ، فكانت اجابة زوجته ( هناك فرق من الارض للسماء ) .
والتحق شملخ فى برنامج الماجستير فى جامعة الازهر فى تخصص التربية ، وتم قبوله مبدئيا وستكون اول بداية هذا الطريق فى شهر يونيو /2015 المقبل .
وقد كلفت الرحلة التعليمية لشملخ ما يقارب 1000 شيكل للتعليم الموازى والثانوية العامة ، والفى دينار للدراسة فى جامعة الازهر ، فيما ستكلفه دراسة الماجستير اكثر بكثير ، وقد يشكل هذا عائقا فى الانتظام فى دراسة الماجستير .
وفتح الطريق شملخ لكثير من اصدقائه واقاربه الذين لم يكملوا تعليمهم ، بالالتحاق فى وزارة التربية والتعليم لاكمال تعليمهم على خطاه .
ولم ينسى شملخ اهم المواقف التى حدثت معه اثناء دراسته فى الثانوية العامة ، بعدما نام على بلاط المطبخ ليستريح فقط لمدة ساعة واحدة ، تاركا شباك المطبخ مفتوحا حتى ينبهه الهواء البارد من نومته ، ليقوم بعد ساعة من النوم لاكمال دراسته حتى ساعات الفجر .
Post a Comment